آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 3:19 م

السيد علي السلمان.. صوت الحكمة وضمير المجتمع

عاطف بن علي الأسود *

في عالم تزداد فيه الضوضاء وتضيع فيه الأصوات الهادئة، يبرز صوت فريد، هادئ لكنه عميق، متواضع لكنه مؤثر. صوت حين يتحدث، يُنصت له العقل قبل الأذن، وتُفتح له القلوب قبل الأبواب. ذلك هو صوت سماحة السيد علي السيد ناصر السلمان - أمدّ الله في عمره - الذي لم يكن مجرد رجل دين أو خطيب منبر، بل حالة متكاملة من القيادة الروحية، والعطاء المجتمعي، والرؤية المتزنة في أحلك الظروف.

منذ عقود، اختار السيد علي السلمان أن يكون مع الناس، لا فوقهم. بين الناس، لا بعيدًا عنهم. يستمع للشكوى قبل أن يُلقي العظة، ويفتح صدره قبل أن يفتح كتابه. ولذلك، لم يتكوّن رصيده من الألقاب أو المناصب، بل من محبة الناس، وثقتهم، وارتباطهم الصادق به.

رجل بحجم مسؤولية مجتمع

في كل مجتمع، هناك من يتكلم، وهناك من يصنع الأثر. والسيد علي السلمان من أولئك الذين ترجموا العلم إلى التزام، والمكانة إلى تضحية، والخطاب إلى مبادرة. ولأنه ينتمي إلى مدرسة أهل البيت ، في منطقهم، وسلوكهم، وعطائهم، فقد كانت بوصلته دائمًا هي الإنسان؛ كرامته، وحقوقه، وصحته، وأمنه.

وحين مرّت محافظة القطيف بتحديات صحية واقتصادية واجتماعية، كان السيد حاضرًا، ليس بالمواقف النظرية، بل بالفعل المباشر، والمبادرات الحاسمة، والدعوات الواضحة التي تستنهض الضمير المجتمعي.

محطة مشرقة.. دعم مركز السرطان

واحدة من أعظم المبادرات التي خُلّد فيها اسم السيد علي السلمان بين أبناء مجتمعه، هي دعمه القوي والمُعلن لمشروع إنشاء مركز السرطان بالقطيف، والمركز الصحي التابع له.

لم تكن دعوته مجرد رأي يُلقى من منبر، بل موقف إنساني شجاع عبّر فيه عن شعور عميق بمسؤولية العلماء تجاه حاجات الناس، وألمهم، وصراعاتهم الصامتة مع المرض.

لقد رأى السيد أن مركزًا كهذا ليس رفاهية، بل ضرورة إنسانية وأمن صحي واجتماعي. وكم كان صوته مؤثرًا حين حثّ الناس - علنًا - على التبرع للمركز، مؤكدًا أن التكافل في دعم المرضى المصابين بالسرطان هو واجب ديني ووطني وأخلاقي، ولا يليق بأهل الخير أن يتأخروا عنه.

وبفضل ذلك الموقف، تسارعت خطوات الدعم، وانفتحت أبواب التبرع، وتحوّل الحلم إلى حقيقة يُشاد بها. كانت كلماته شرارة الأمل، وموقفه ركيزة الثقة، وأثره علامة فارقة في المشروع.

لقد فهم السيد باكراً أن بناء المستشفيات ومراكز العلاج هو بناء للأمن النفسي والاجتماعي، وصورة حقيقية للرحمة الدينية في مظهرها العملي. فحين يجد المريض مكانًا للعلاج، يجد المجتمع نفسه، وتجد الإنسانية معناها.

قيادي بالفطرة، وإنساني بالطبع

ما يميّز السيد علي السلمان أنه يخدم بصمت، ويؤثّر بدون ضجيج، ويقود دون أن يطلب شيئًا لنفسه. فكل خطوة من خطواته تُترجم قيم الإسلام المحمدي الأصيل: الرحمة، التواضع، النصيحة، خدمة الضعفاء، إعانة المحتاج، ومواساة المريض.

كثيرون يتحدثون عن العمل المجتمعي، وقليلون يمارسونه بإيمان وتجرد. والسيد، بمنهجه المتزن، ألهم شرائح واسعة من رجال الأعمال، والوجهاء، وعموم الناس، ليؤمنوا أن الخير لا يُنتظر من أحد، بل يبدأ من كل فرد مسؤول.

خلاصة القول:

سماحة السيد علي السلمان هو أكثر من اسم أو لقب؛ هو ذاكرة مجتمع حي، وروح مسؤولية قائمة، وعنوان حكمة وإنصاف. حضوره في ملف دعم مركز السرطان بالقطيف يُعدّ درسًا خالدًا في كيف يكون الدين في خدمة الحياة، والعلم في خدمة الإنسان، والعالِم شريكًا حقيقيًا في بناء المجتمع، لا متفرجًا على همومه.

هذا الموقف وحده، كفيل بأن يُدوّن في سجل الخالدين، إلى جانب مواقفه الأخرى التي لا تعدّ ولا تُحصى.

خاتمة:

في زمن تتعدد فيه الأدوار وتتشابه الوجوه، يبقى السيد علي السلمان وجهًا نقيًا، وقلبًا كبيرًا، وضميرًا صادقًا. هو الحكمة حين تحتدم الآراء، وهو الثبات حين تضطرب السُبل، وهو المعلم الذي لا يكلّ من بث النور، والداعية الذي لا يملّ من مدّ يد العون.

بارك الله في عمره، وأدامه ذخرًا لهذا المجتمع، وأثابه عن كل قلب مريض خفّف عنه، وكل نفس حائرة وجّهها، وكل مجتمع مثقل نهض به… خير الثواب وأجزله.


دراسات عليا اقتصاد صحي