آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 3:19 م

ما أكثر العبر وأقل المعتبرين

جمال حسن المطوع

العبر كثيرة في هذه الحياة، ولكن هل أخذناها بعين الاعتبار والتمحيص، أم نمر عليها مرور الكرام، أم نتفكر فيها لتترك في النفس أثرًا لا يُنسى؟ فقوافل الأيام حبلى بالعبر والأحداث، ومنها على سبيل المثال هذه الواقعة المؤلمة التي يندى لها الجبين وتكسر خواطر القلوب، وهي واقعة أليمة حدثت وتنم عن غرور وغطرسة من أحد الشباب، وما أدت إليه من تداعيات ونتائج مؤسفة، لعبت فيها الأقدار إلى ما لا يُحمد عقباه. فلكل ردة فعل غير موزونة حساب عسير وانعكاسات آنية قد تقرر مصير فاعلها، حيث القدر له بالمرصاد والوعد والوعيد، وكما قال الله تعالى: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ [سبإ: آية 3].

هذا بالفعل يحكي ما سنتحدث عنه في مقالنا هذا، حيث أقبل أحد الشباب المغرورين والمتهورين عند رؤيته شيخًا عجوزًا في إحدى المناسبات، لم يستحسن وجوده، فقام الشاب بتوجيه أقسى العبارات القاسية، قائلًا له: ليس بينك وبين القبر إلا بعض خطوات، وإني سأكون أحد المشيعين لك ومن الذين يهيلون التراب على قبرك، في حالة من السخرية والاستهزاء، بينما الشيخ العجوز لم يتفوه بأي كلمة جارحة اتجاه الشاب المغرور. وما هي إلا أيام قليلة انقلب فيها السحر على الساحر، وحلت المشيئة الربانية التي لا مفر منها، أن توفي ذلك الشاب، وكان أول الحاضرين في تشييعه ودفنه ذلك الشيخ العجوز.

هنا لا بد من أخذ الدروس والعبر لنا جميعًا، فإن المقادير الربانية لا تفرق بين كبير وصغير، قوي وضعيف، غني وفقير، وإن الأعمار كلها بيد الله سبحانه وتعالى. فلماذا هذا التعالي والاستكبار من قبل بعض شباب اليوم، وكأنهم في حصن حصين عن المشيئة الربانية؟ تأخذهم العزة بالإثم، وكأن حوادث الدنيا ومقاديرها بعيدة عنهم. فعليهم التجرد من كبريائهم، والسعي إلى ما هو أفضل وأحسن، والتحلي بالتواضع، وعدم التشفي ممن يكبرونهم عمرًا، فهم باب من أبواب البركة، ورحمة من الرحمات الربانية التي ترفع عنهم كل بلاء ومصيبة، وتكون سببًا في طول أعمارهم، وسبب سعادتهم في خير وعافية دنيا وآخرة.