آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 1:09 م

تحرير الخطاب الوعظي من الخرافة!

حسن المصطفى * صحيفة البلاد البحرينية

تعجُ وسائل التواصل الاجتماعي بالمئاتِ من مقاطع الفيديو لوعاظٍ من مختلف المذاهب الإسلامية، يتحدثون فيها عن موضوعات دينية واجتماعية وثقافية متنوعة، بلغة تختلط فيها الشعبوية بالتعصب والخرافة والطائفية، فيما المستمعون يصغون لها، بعضهم مصدقٍ، وآخرٌ منصتٌ، وثالث وإن لم يكن يؤمن بما يلقيه عليه هذا الواعظ إلا أنه لا يملك الجرأة لأن يناقشه أو يسائله عما يتحدث به، فيما القلة النادرة هي من تحاجِجُ وتنتقدُ بعلمية ووضوح هذه الخطابات الماضوية.

كي نكون منصفين، لا يمكن اتهام جميع الوعاظ بـ ”الخرافة“، إلا أن شريحة واسعة منهم تروج لأفكار غير منطقية، تنتقصُ العقل، بل تسخفهُ في أحايين كثيرة، وتعمل على إعادة إنتاج الجهل بأدوات تبدو في ظاهرها دينية، إلا أنها عندما تتفحصها تجدها جزءا من التراث الغرائبي والمقولات العنيفة، أو تلك الحكايات التي اعتاد الوعاظ على نسجها من الخيال بهدف التأثير العاطفي على الجمهور العام.

الإشكالية ليست في انتشار هذه الخطابات الشعبوية التي قد يستمع لها البعضُ من بابِ التندرِ! إنما الضرر أن هناك من يتأثر بهذه السرديات ويعتقد أنها جزء من الدين، ويبني من خلالها وجهات نظر ومواقف اجتماعية وحتى سياسية، تدفعه أكثر وأكثر نحو التطرف أو فقدان الفاعلية في الحياة!

أمرٌ آخر، هذا الصنف من الوعاظ قليلي العلم، محدودي الخبرة، اعتادوا على أن يقول لهم الجمهور سمعاً وطاعةً، وبالتالي باتوا يظنون أنهم في موقع أعلى، لا تصح مساءلتهم. هذا الشعور السلبي بـ ”الامتلاء الأجوف“ جعل العديد منهم رموزاً لها شعبية عارمة، وباتت لها سلطة رمزية، تمارس من خلالها النفوذ الفكري والديني وحتى المالي.

تعاظمُ سلطة الخرافة، يدخل المجتمعات في مآزق حقيقية، ويدفع التفكير لأن يكون محدوداً، ويفقد الإنسان استقلاليته، ويصيره جزءا من العقل الجمعي؛ وعليه، فإن تحرير الخطاب الديني من الخرافة ليس مهمة ترفيه، بل أمراً مهماً، حماية للدين من جهة، وللعقل من جهة أخرى، وصيانة لمكانة الإنسان الذي يفترض به عمارة الأرض، لا البقاء حبيساً في مربعِ الاستكانة والتبلُد.