آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 1:08 م

معارض أم ناقم؟

عبد الله فيصل آل ربح * صحيفة الشرق الأوسط

تنتشرُ ظاهرةُ «المعارضين السياسيين» للدول العربية والذين يعيشون في الدولة الغربية. فكرة المعارضة التي يتبنونها دائماً ما تأتي مغلفة بشعارات الحرية والديمقراطية التي تتناسب مع دول المهجر التي يقطنُها أولئك «المعارضون»، ويقارنون بين دولة المهجر ودولهم على كلّ الأصعدة؛ بدءاً بالقوانين، مروراً بمستوى الخدمات، وصولاً إلى المناخ. كلُّ تلك المقارنات تصبُّ في هدف واحد يتلخَّصُ في التعبير عن النقمة على البلد الذي هجروه بشكل طوعي في أغلب الأحيان.

عندما نقرأ ونشاهد خطابَ تلك المجموعات، نرى التنظير حول أهمية الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة. في المقابل، نرى الانقسامات التي تمزّق أولئك الأفراد، وكيف تتحوَّل المجموعة إلى مجموعات، حيث يستقل كلُّ عضوٍ بمجموعة من الشُّبان الجدد ليكوّنوا مجموعة جديدة تحمل عنواناً برّاقاً يستنهض شبابَ الوطن للانضمام إلى «طريق الحرية». ولنا هنا أن نتساءلَ عن مصداقية الشعارات البرَّاقة التي يتبنَّاها أولئك الأشخاص والتي تسقط بمجرد التنازع على قيادة مجموعةٍ صغيرةٍ من الشَّباب المغرر بهم، أو حفنة دولارات من مصادر التمويل التي يتنازعونَ عليها بشراسة! بمعنى، هل يُؤتمن هؤلاء على تسنُّمِ سلطة في أوطانهم؛ وهم ينهشون بعضَهم بعضاً، ويتنازعون على الموارد التي يمدّهم بها من لا يرجو الخير لأوطانهم؟

عندمَا يقوم المعارض بتنظيم مسيرة ضد مسؤول رسمي من بلده قادم لزيارة بلد المهجر الذي يحتضن المعارض، فإنَّه يحاول رفع الشعارات التي تدغدغ مشاعر الإعلام، حتى ولو لم يؤمن بها ذلك المعارض. والشَّواهد كثيرة على رفعهم صور أشخاص يكرهونهم حدّ التكفير والتخوين، ولكنَّهم يرفعون صورهم ويذيعون «مظلوميتهم» بهدف تجميع النقاط على حكوماتهم.

عند الأزمات التي تعصف بالمنطقة، تتعالى أصواتهم داعية الولايات المتحدة والغرب لغزو بلدانهم وتغيير أنظمة الحكم فيها، معتقدين بأن نموذج العراق 2003 قابل للتطبيق متى ما أرادت واشنطن، وبأنَّ الغرب عبارة عن جمعية خيرية تبذل مواردها من جنود وأموال في سبيل مظلومية المعارض البطل. هذا النوع من الأحلام يعكس مستوى الوعي الذي يتملكونه وفقاعة الأوهام التي تغلف حياتهم.

هذا النوع من الأنشطة يطرح سؤالاً أساسياً حول المبادئ التي ينطلق منها هؤلاء المعارضون في طرح نقدهم ورؤاهم. نتساءل هنا: ما معاييرهم للتميز بين الخيِّر والشرير؟ وعلى وجه التحديد، ماذا يريدون من حكوماتهم بالضبط؟

مع التسليم باختلاف مستوى أداء الحكومات العربية، ومستوى كرامة العيش في الدول العربية، فإن الملاحظ تساوي حدة الخطاب بين من لا يجد لقمة العيش والكرامة في بلده، ومن عاش معززاً مكرماً في بلده. ولنكن أكثر صراحة، فإنَّنا نجد من يصف نفسه بالمعارض والقادم من دول الخليج أكثر قسوة في كلامه عن بلاده من مثيله العربي الذي يحرص دائماً عن الحديث عن تاريخ بلاده بشكل مشرف.

يستند هذا الموقف إلى إرث تاريخي للحركات المعارضة التي تستقي خطابَها من اليسار من جهة، و«الإخوان المسلمين» من جهة أخرى. فقد رَسَّختِ الحركاتُ اليسارية والدينية «المبنية على فكر الإخوان» من النَّظرة الدونية للخليج ومعايرتهم بالنعم التي وهبَها الله لهم، والتي يشكل النفطُ واحدةً منها، وليس كلها. بالتَّالي، فإنَّ المعارضَ الخليجي يكرّر عباراتِ أساتذته الذين عفَّى عليهم وعلى خطابهم الزمن.

لسنا هنا بصددِ تخوين أحد، ولكنَّ الواجبَ الأخلاقيَّ يحتّمُ علينا أن نطرحَ السؤال على شبابنا الذين يرونَ خطابَ أولئك الأفراد: هل ترونَ في طرحِهم ما يخدم مستقبلَكم وجودةَ حياتكم؟

أستاذ علم الاجتماع الديني والنظرية الاجتماعية بجامعة جراند فالي