آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 11:45 ص

على حافة الجوع - صفحة من مذكرات رجل فلسطيني

هناء العوامي

‎أنا محمد، عمري تسع سنوات... لكن لا تتكلم عني - من فضلك - بصفتي طفلًا، ليس وأنا أشعر أنني المسؤول عن أمي وأخواتي الثلاث، عن حمايتهن وإطعامهن. أصبت قبل عدة أشهر بجرح رصاصة في ذراعي اليسرى، لحسن الحظ لم يُصَبْ سوى الجلد، ومُسَّ اللحم قليلًا. ضمدته أمي في البيت بِخِرَقِ ملابسها القديمة. لم نجرؤ على التوجه إلى المستشفى، فالمستشفى مُكتظٌ، وعُرضةٌ بدوره لأن يكون في مرمى القنابل. لا أعرف.. ربما تم قصفه بالفعل، ولا أحد هنا يهتم بجرح كجرحي. ضغطته أمي لتوقف النزيف، وانفتح بعدما الْتَأَمَ مرتين، لكنني عشت.. ستبقى عندي ندبة كبيرة تذكرني بهذه الأيام التي أصلي كل يوم لكي تُوَلِّي ولا تعود.

‎كان لدي صديق من الجيران، لديه لعبة فيديو فيها رجال يطلقون النار وآخرون يهربون منهم. كنا عشرة أطفال ينتظر كل منا دوره ليلعب، وكان سامي يلعب مرتين مقابل مرة لكل منا بما أنه يملك اللعبة. لكننا كنا نستمتع بالفرجة على لعب بعضنا البعض، والتعليق والمزاح عليه، كما كنا نستمتع باللعب نفسه.

‎لكن الآن الحربُ فرقتنا. أمي قررت أن نبقى بالمنزل.

‎لكن أم سامي قررت أن يغادروا إلى منزل أهلها الذي لا أعرف أين يقع، لكن أعرف أنه بعيد بما يكفي... ولا أستطيع رؤية صديقي أو مشاركته ألعابه. كنت ساخطًا حين أخبرني، خاصة وأن بلال وحمزة قد غادروا بدورهم. لكن قُبيلَ أمس قصف منزلهم، وبالتالي شعرت بالسرور لأنهم غادروا قبل ذلك.. ربما ذهبوا إلى المخيمات. لا أعرف ما هي المخيمات، لكن أمي قالت ذلك.

‎الآن أنا أفعل ما كنت أفعله في لعبة الفيديو على أرض الواقع. أمي ترسلني إلى التكية لإحضار الطعام، أو لإحضار الطحين، وأرى من بعيد رجالًا يرتدون أزياء تشبه لعبة الفيديو وبسبب أحدهم أصيب ذراعي.

‎المهمة ليست سهلة.

‎عليك أن تعرف متى تتحرك بسرعة ومتى تَتَوارى، عليك أن تكون غير مُلفتٍ، وأن تنظر للأرض لكن ترى وتسمع كل شيء حولك.. وتكون مُنتبهًا. لذة الانتصار حين أعود للبيت ببعض الطعام لا توصف: نظرة أمي لي، فرح أخواتي، احترام الجميع. كنت أحسب حين أحرز نقاطًا أعلى من جميع أقراني في لعبة الفيديو أن السعادة التي كنت أشعر بها وقتها لن يفوقها شيء، لكن فرحة أمي بعودتي سالمًا ظافرًا بكيس طحين منحتني سعادة أكبر.

‎شكرًا يا الله.

‎غزة، يوليو 2025.