آخر تحديث: 18 / 7 / 2025م - 12:13 ص

قلب لا ينكسر.. صفحة من مذكرات سيدة فلسطينية

هناء العوامي

لقد نفد العدس..

منذ يومين نفد... ومنذ ذلك الوقت وأنا أتظاهر بأنني في نهار رمضان، أتصفح القرآن وأصلي.

أعيش وحيدة بعد استشهاد أبي وموت أمي بمرض في القلب، لدي أقارب تفرقوا في الأرض بسبب الحرب ولا وسيلة اتصال تمكنني من معرفة أحوالهم.

توجد نقاط لتوزيع غذاء مجاني لا أعرف مصدره، سمعت عنها.. لكنها بعيدة جدا ولا أشعر أنني أقوى على المشي تلك المسافة كلها، خاصة وأن الجوع يشعرني بالدوار.. كما أن الطريق لها غير آمن.

لدي يقين بأن الانتظار سوف يسفر عن شيء.. لا بد وأن يسفر عن شيء، فالعالم يرى ويسمع.

ولا يتطلب الأمر سوى قدر ضئيل من الذكاء والضمير كي يدرك أي إنسان إن ما يحدث هنا ليس صوابا..

أحاول عدم الخروج من بيتي قدر المستطاع، ولا مكان لأذهب إليه على كل حال.. لكنني استيقظ من وقت لآخر على أصوات القنابل، أصوات تأتي أحيانا من بعيد، وأحيانا تكون قريبة جدا حتى أنني أرتجف خوفا.. ليس من الموت بل من أن أجد نفسي محبوسة تحت الأنقاض بلا حول... لكن في أحيان أخرى لا تثير في تلك الأصوات أي مشاعر من أي نوع، ولا يتخلف عندي سماعها عن سماع مواء قطة، قليلا ما أخرج، فقط لكي أرى الشارع، أو ربما ألتقي بأي شخص لديه ما يقايضه، ما زال عندي بعض الصابون يمكنني مقايضته ببعض العدس، لو أطلت المشي حتى مفترق الطرق على يمين بيتي فسيذهب نظري رغما عني نحو المدرسة التي كنت أعمل بها.. المدرسة التي تحولت إلى كومة من الركام، اشتاق الآن إلى صوت طالباتي حين عاقبتهن بعد أن سمعتهن يسخرن مني خلسة ”أبلة حنان الحنحونة... تأكل بيضة مدهونة.. عليها دجاجة مدفونة..“، بمجرد أن أرى ركام المدرسة أتذكر تلك الأغنية التي ألفتها بناتي المشاغبات وأشعر بالجوع، لقد عاقبتهن بالوقوف ساعتين أمام الجدار، وكففت تماما عن إضافة الثوم أو البصل إلى وجبة إفطاري، لكن الآن لم يعد هنا إفطار، ولم تعد هنا طالبات مشاغبات، لم يعد سوى الانتظار والأمل والصبر والدعاء، والتوق إلى حدوث شيء ما قد يعيد بعض الحياة إلى طبيعتها، فسحة للتنفس ولملمة الجراح والبحث عن شجرة ما تزال مثمرة لقطافها، سمعت أن بعض الصواريخ قد وقعت فوق بيوت المحتلين بدورهم، فشعرت أنه ما زال في الدنيا قليل من العدل، وأملت أن يكفوا عنا بعد أن ذاقوا

شيئا مما فعلوه بنا..

ولكن ذلك لم يحدث.

غزة
يوليو 2025