آخر تحديث: 22 / 7 / 2025م - 1:31 ص

أجمل ما سمعته في حياتي

رائد بن محمد آل شهاب

رغم مرور أكثر من 1500 سنة، نستمتع دائمًا بأقوال الشخصية العظيمة يومًا بعد يوم، جمل تتصف بالدقّة المتناهية وروح البناء والاستمرارية. عن الإمام علي بن أبي طالب وهو يقول: «ليس اليتيم يتيم الأم والأبًا، إنما اليتيم يتيم العلم والأدب».

المعنى العام للحديث هو أن اليتم الحقيقي ليس مجرد فقدان الأب أو الأم، بل هو فقدان العلم والأخلاق الحميدة. فالإنسان الذي فقد والديه، ولكنه يتمتع بالعلم والأدب، فهو ليس يتيماً بمعنى الكلمة، لأن العلم والأدب يمثلان له سندًا وعونًا في الحياة. أما من فقد العلم والأخلاق، ولو كان والداه على قيد الحياة، فهو اليتيم الحقيقي، لأنه فاقد لأهم مقومات الحياة الكريمة.

قول آخر: «اثنان لا يشبعان: طالب العلم وطالب المال».

كل وعاء يضيق بما وضع فيه، إلا وعاء العلم فإنه يتسع. فبلاغة وحكمة الإمام علي ضخمة، ليس لها سقف عددي أو زمني، ولا يستطيع العقل البشري حصرها.

لفت انتباهي في كتاب قصائد عربية، منها قصيدة اشتهرت في الأدب العربي الحديث لشاعر المهجر إيليا أبو ماضي، صوّرت النقائض في رغبات الإنسان. الفتى يشكو من أحزان الشباب، والشيخ يشكو الضعف والوحشة والاكتئاب ويحنّ إلى سنين الشباب. الحسناء ترى الحزن والشقاء بسبب الجمال وحسد الحساد. الجارية تبكي البؤس والفقر والحرمان. الفقير يشكو هموم العوز. الغني تعب بثروته وشقي بما تحقق له.

ومن القصائد الخالدة للشاعر غازي القصيبي: «الفرسان»، التي رسمت فيها التناقض والمقابلات، واصفًا إياها بأنها ”مسرحية من نوع ما، إلى التي لا تزال تبحث عن فارس“. ولا ننسى النقائض والمقابلات الموجودة في مشاهد عنترة العبسي ومصعب بن الزبير وطارق بن زياد ويوليوس قيصر ونابليون بونابرت ودون كيخوتة.

أما الملحد الذي لا يؤمن بوجود الخالق العظيم، وليس له أي ارتباط — لا قريب ولا بعيد — في الإيمان والخلق، فإنه يناقض نفسه بإصراره على الإلحاد، وينقض أي دليل على وجود خالق ومدبر لهذا الكون الدقيق. وهناك قصة رائعة عن محاضر أو بروفسور في الجامعة، يتبع التوجه الإلحادي، يعبد النفس فقط ويعتقد ويجزم بأنه لا وجود لحياة الآخرة. وجه سؤالًا إلى الطلبة: ”هل تقولون إن الله خلق كل شيء؟“ قالوا: ”نعم.“

فأعاد الدكتور السؤال: ”هل الله خلق كل شيء؟“ قالوا: ”نعم.“

فقال الدكتور: ”معنى كلامكم أن الله خلق الشر أيضًا، معناه أن الله خلق الشيطان أيضًا. طيب، كيف يستقيم هذا؟“ بدأ يسأل الطلبة: ”ما هو الهدف الذي يسعى له هذا الرب؟“

فردّ أحد الطلاب وقال له: ”الله تعالى خلق الشر، وفي المقابل خلق كل مصدات في داخلنا لتوقف حركة الشر.“ فقال الدكتور: ”هذا ليس سؤالي. السؤال مرة أخرى: هل الله خلق الشر أم لا؟“ صمت الطلاب جميعًا، فشعر الدكتور الملحد بنشوة الانتصار.

رفع أحد الطلاب يده وقال: ”ممكن سؤال يا دكتور؟“ فقال له الدكتور: ”نعم.“ سأل الطالب: ”هل يوجد البرد؟“ رد الدكتور: ”نعم، البرد موجود.“

قال الطالب: ”لا، أنت مخطئ. بحسب علم الفيزياء، البرد نتيجة عدم وجود الحرارة. والفيزياء تدرس العناصر الناقلة للطاقة، أما العناصر التي لا تتفاعل فإنها لا تنتج حرارة، واسماها العلم ‘البرد’.“ فأجاب الدكتور: ”صحيح.“

قال: ”سؤال آخر يا دكتور؟“ قال: ”تفضل.“ سأل الطالب: ”هل الظلام موجود؟“ رد الدكتور: ”نعم، موجود.“

قال الطالب: ”لا، أنت مخطئ. بحسب العلم، وبحسب مؤشر نيكولاس، الضوء عبارة عن موجات، وغياب هذه الموجات يسمى ‘الظلام’. من الناحية العلمية، الظلام لا يُدَرَّس. أغلب الكتب تدرس الضوء فقط. فالظلام هو ظاهرة غياب الضوء.“ فأجاب الدكتور: ”كلامك صحيح.“

قال الطالب، راجعًا إلى صلب الموضوع: ”كذلك الشر: الشر هو غياب الله في القلوب. الله لم يخلق الشر. الشر هو غياب طاعة الله تعالى، غياب الحب، غياب الإنسانية، غياب الخير.“ سكت الدكتور، ووجده كضربة قاضية لم يُقم بعدها.

يا سلام! عظيم في ربوبيته، عظيم في ألوهيته، عظيم في أفعاله، عظيم في قدرته… ولا يوجد وصف للعظمة يليق بجلاله إلا ما كان متصفًا به.

المراجع:

• الإمام علي بن أبي طالب — معلومات من الذكاء الاصطناعي

• كتاب الغائب الحاضر لـ حسن بن صالح الجشي «نقله علي بن عبدالمحسن الجشي»

• محاضرات صوتية للسيد علي الطالقاني — داعية وباحث إسلامي، ألقاها في عدة جامعات دولية، ومنها جامعة أكسفورد.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فاطمة حسن آل مبارك
11 / 7 / 2025م - 4:41 م
جميل أنك استحضرت قول أمير المؤمنين (ع): «ليس اليتيم يتيم الأب والأم» فهو درس تربوي واجتماعي في غاية العمق
2
ميثم حمادة
11 / 7 / 2025م - 6:55 م
الطرح حلو بس حسيت إنك خلطت بين محاور كثيرة: بين أقوال الإمام علي والشعر والإلحاد والقصة الفلسفية… كان ممكن تعزلهم بأسلوب أهدأ.