آخر تحديث: 8 / 7 / 2025م - 1:51 م

ميزانُ كاليوس: وزنُ الروحِ المُختلفة

عبير ناصر السماعيل *

في هذا السفر الشعري الفلسفي، نحمل ميزان كاليوس، ذاك الكائن المتخيَّل الذي لا يزن الأجساد، بل الأرواح المختلفة. رحلةٌ من خلال ظلال الذات، وتشوهات الجمال، وتمرد العقل، تولد فيها الروح في زمن الاعوجاج، لتعيد اكتشاف نعمتها المقدَّسة كما خُلِقت... عملٌ موزون بين الميثولوجيا والبوح، بين الحكمة والحيرة، وبين نشاز العالم وانفراد النغمة الداخلية.

المحور الأول: الظلُّ الثالث

أقنعةُ إيكو
كانوا يحملون مرايا مشوَّهةْ...
يعكسونَ وجهًا واحدًا للجمالْ...
وأنا... أقفُ أمامهَا...
أرى وجهي يتشظَّى... ألفَ قطعةْ...
كلُّ قطعةٍ تحملُ عيبًا... في عيونِهم.

أوديسةُ العقلِ المتمردِ
في قلبي مدينةٌ بلا نومْ...
شوارعها أفكارٌ متقافزةْ...
مبانيها مشاعرُ شاهقةْ...
وأنوارها تومضُ بإيقاعٍ...
لا يفهمهُ إلا من يسكنُ...
في المدنِ المضطربةْ.

ميزانُ الثُّقُوبِ
أدانوني بجرائمٍ لمْ أرتكبها:
جريمةَ الاختلافِ...
جريمةَ الحلمِ... في غيرِ أوانِهْ...
جريمةَ النسيانِ... كالمطرِ بلا إنذارْ...
جريمةَ المشاعرِ... تثورُ كبركانٍ...
في قلبِ صحراءْ.

زجاجُ بروميثيوس
نظرتُ إلى نفسي... بعيونِهمْ...
فرأيتُ خللًا... في كلِّ زاويةْ...
عطبًا... في كلِّ تفصيلْ...
كأنَّ روحي آلةٌ قديمةٌ...
تحتاجُ لإصلاحٍ... أو ربما... استبدالْ.

معركةُ بيليونِ الذاتِ
كيفَ تعيشُ معَ عقلٍ...
يرقصُ على أنغامٍ... لا يسمعها أحدٌ؟
كيفَ تقبلُ ذاتًا...
تفلتُ من قبضةِ السيطرةِ...
كالماءِ بينَ الأصابعِ؟

المحور الثاني: ولادةٌ في زمنِ الاعوجاجِ

نورُ أبولو من المتاهةِ
ثمَّ... في يومٍ عاديٍّ... بلا حدثْ...
سطعَ في داخلي نورٌ... ليسَ كالبَرقِ يُبْهِرْ...
بل كالشمعةِ تُضيءُ... زاويةً من ظلامي.
أدركتُ أنَّ المشكلةَ... ليستْ في عقلي...
بل في النظَّاراتِ... التي يرتديها العالمُ ليراني.
اكتشفتُ... أنَّ ما سمَّوهُ عيبًا...
هو لوحةٌ... بألوانٍ ليستْ في صندوقِ أقلامِهمْ.

أزهارُ فينوسَ الشاذَّةُ
هيَ ليستْ قيدًا... بل بذرةٌ...
زُرعتْ في تربةٍ مُختلفةْ...
تنبتُ أزهارًا بريَّةً...
لا تُشبهُ أزهارَ الحدائقِ المرتبةْ...
لكنَّها تحملُ عطرًا...
يملأُ الروحَ دهشةً.

نهرُ الكينونةِ المتدفقُ
تدفُّقُ الأفكارِ... ليسَ فوضى...
بل نهرٌ يجرِي في الصحراءِ...
يحملُ الحياةَ لأراضٍ قاحلةْ...
وشدَّةُ الإحساسِ... ليستْ ضعفًا...
بل قلبٌ يسمعُ همساتِ الكونِ...
التي تضيعُ في ضجيجِ العالمْ.

أفروديتُ من الرغوةِ
كنتُ أحاولُ اقتلاعَ جذوري...
لأُشبهَ الأشجارَ التي أحبُّوها...
أشجارَ الشوارعِ المتماثلةَ...
المقصوصةَ... في أصصٍ صغيرةْ...
آمنةً... وميتةً!
اليومَ... أزهرُ من التربةِ...
التي حسبوها مشوهةْ...
أنبتُ من الأرضِ...
التي قالوا لا تصلحُ لزراعةْ...
وأحملُ ثمارًا... طعمُها مختلفٌ...
عن كلِّ ما ذاقوهْ.

هبةُ آثينا غيرُ المرئيةِ
أدركتُ أنَّ ما ظننتُهُ قبحًا...
هو أجملُ ما وهبني اللهْ...
كأنَّ الخالقَ نظرَ إليَّ وقالَ:
"هذا سيرى العالمَ... بطريقةٍ مختلفةْ...
سيكونُ لهُ قلبٌ... يشعرُ بعمقْ...
وعقلٌ يربطُ بينَ النجومِ... وأرواحِ البشرْ."

المحور الثالث: كما خُلِقتُ: سِفرُ الاختلافِ المقدّسِ

نسيجُ كليوباترا الأبديُّ
من هذهِ النعمةِ تكوَّنتُ ”أنا“...
تكوَّنَ شغفي الذي لا يخمدُ...
حدسي الذي يرى ما وراءَ الستارْ...
طريقتي في الربطِ... كخيوطِ عنكبوتٍ خفيَّةٍ...
تصلُ بينَ عوالمَ منفصلةْ. حتى ضعفاتي تحوَّلتْ...
إلى مفاتيحِ فهمٍ للآخرينْ...
كأنَّ كلَّ كسرٍ في روحي...
صارَ نافذةً يدخلُ منها النورُ...
لينيرَ طريقَ من يسيرُ...
في الظلمةِ نفسها.

بصيرةُ أوراكلِ الذاتِ
لمْ أعدْ أطلبُ أنْ أُرى... كما يَرَوْنَ...
بل أنْ أرى نفسي...
كما أرادَ اللهُ لي أنْ أكونَ:
نجمةً في سماءٍ مختلفةْ...
لها نورٌ خاصٌّ...
وقصةٌ... لا تُشبهُ أيَّ قصةْ.

نشيدُ الجمالِ الأونطولوجيِّ
واكتشفتُ أنَّ الجمالَ... لا يعني التماثلَ...
بل التفرُّدَ...
لا يعني الكمالَ... بل الأصالةَ...
لا يعني الهدوءَ... بل الصدقَ معَ النفسْ.

سيمفونيةُ روحِ الإليزيومِ
وهكذا... تحوَّلتُ من نشازٍ في السيمفونيةِ...
إلى لحنٍ منفردٍ...
لهُ إيقاعٌ خاصٌّ...
وجمالٌ مختلفٌ...
نشيدٌ يُغنى بصوتٍ واحدٍ...
لكنهُ يصلُ إلى قلوبٍ...
تبحثُ عن الحقيقةِ...
في عالمٍ مليءٍ بالأقنعةْ.

كاتبة ومستشارة استراتيجية، تؤمن أن الوعي هو أول خطوة في بناء أي كيان ناجح، وأن ما لا يُفهم في الذات، لا يُصلح في المؤسسة