آخر تحديث: 8 / 7 / 2025م - 1:51 م

ويبقى الحسين (ع) شعلة لا تنطفئ

محمد يوسف آل مال الله *

لعلّ من أبسط ما يُقال أو يُستفسر عنه عند انتهاء أي حرب بين طرفين هو تحديد الرابح والخاسر وعدد القتلى وقيمة الخسائر المادية، لكنّه حينما تكون الحرب بمستوى ملحمة الطف، فإنّ كل هذه الاستفسارات والتساؤلات تضمحل ذلك أنّ ملحمة الطف ليست حربًا طبيعية يُنتظر منها فوزًا ماديًّا، بل هي حرب إبادة وتصفية ونفي لرسالة إلهية، يأبى الله ورسوله أن تكون كذلك.

هذه الحرب التي فرضها العدو، بل الطاغوت الذي استبدّ برأيه وفعل ما فعل ليطمس الرسالة ويعيد الأمة إلى ما قبل الإسلام، كما أبانت بطلة كربلاء السيدة زينب في خطابها المبارك: ”أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة؟! وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده! فشَمَختَ بأنفِك، ونظرتَ في عِطفِك، جَذلانَ مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مُستَوسِقة، والأمورَ مُتَّسِقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا“. هكذا يظن الطاغوت أنّه وبفعله قد أمات الرسالة وانتهى الدين، بل جاءت عكس ما كان يطمح فيه العدو المستبد.

لقد أحيا الإمام الحسين بدمه وبدم أهل بيته وأصحابه الدين وأقام على تحقيق رسالة سيد المرسلين محمد ﷺ، بل أحيا معالمها وأقام أعمدتها وأرسى قواعدها راسخة وما قام به بنو أميّة إلاّ العار والشنار وما كسبوا إلاّ الذل والهوان وبذلك تبددت أحلامهم وتمزقت أعلامهم واندثرت أسماؤهم، فلم يعد لهم ذكر، بل اللعنة الدائمة عليهم من رب العالمين وسائر المؤمنين.

قرابة أكثر من 1390 سنة واسم الحسين يملأ الفضاء وأهدافه تحيط بالعالم ومظلوميته تلف الأرض ليتبيّن من خلالها الحق في أرجاء المعمورة ويستضيء بنورهم الشرق والغرب، ففي كل جزء من العالم تجد المؤمنين يصدحون باسمه عاليًا وينشرون أهدافه في كل شارع وزقاق والناس يبكون ويصرخون رافعين الأعلام والرايات ويوصلون رسالته إلى كل ذي لب يميز بين الحق والباطل.

لم تنتهي ملحمة الطف ولن تنتهي أبدًا حتى ظهور صاحب الأمر عجّل الله فرجه الشريف، فمهما سعى أعداء الدين لتصويرها بحرب قد انتهت فصولها وغابت مسارحها، فهي في كل عام تتجدد ويعود أبطالها من جديد حتى أصبحت كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء.

يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: آية 169]، فهم يحملون رايات الحق ويعيدونها من جديد ويغرسون سيوف الحق في أجساد أعداء الله ورسوله مهما بذلوا من جهد ومهما عملوا من أعمال تضليلية ليوهموا العالم بأفكارهم الباطلة وأقوالهم الكاذبة وتزييف الحقائق وتحريف الكلم عن مواضعه.

هذا التجديد لهذه الذكرى في كل عام هو استنهاض للأمة وبث روح التضحية والجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين هي السفلى، فكربلاء الحسين شملت جميع الجوانب الحياتية من حزن وبكاء وقيم أخلاقية، كما نستلهم منها دروساً فريدة ليس لها نظير يتغيّر من خلالها مجرى التأريخ، واستلهام روح التفاني من أجل القيم العليا والجود بالنفس أقصى غاية الجود.

لقد أوضحت بطلة كربلاء السيدة زينب ضعف الأعداء مهما بلغت قوتهم ماديًّا. تقول مخاطبة الطاغية يزيد: فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكَ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها «أي لا تغسله»، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين!

كذب الموت فالحسين مخلّد *** كلّما مرّ الزمان ذكره يتجدد

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
سعاد آل ربح
30 / 6 / 2025م - 8:15 م
بارك الله فيك. نحتاج أكثر من هذا النوع من المقالات اللي تربطنا بالحسين (ع) ربطا وجدانيا وعقليا وتفتح لنا بابا على مسؤوليتنا تجاه قضيته