الاقتصاد الصحي.. محرك الاستدامة وركيزة بناء المجتمعات
في عالم يتزايد فيه الضغط على الأنظمة الصحية والاقتصادات الوطنية، يبرز الاقتصاد الصحي كأداة استراتيجية تجمع بين تعزيز الصحة العامة وتحقيق التنمية المستدامة. لم يعد الحديث عن الصحة مجرد شأن طبي، بل أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالتمويل، والكفاءة، والعدالة الاجتماعية.
فما هو الاقتصاد الصحي؟ وكيف تسهم الرؤى الحديثة في تحويله إلى محرك رئيس لتحسين الوضع الصحي للأفراد والمجتمعات؟ وما هي التجارب العالمية التي يمكن الاستفادة منها؟
الاقتصاد الصحي (Health Economics) هو فرع من فروع علم الاقتصاد يُعنى بتحليل كيفية تخصيص الموارد الصحية، وتحديد الخيارات المثلى لتحسين جودة الخدمات، وخفض التكاليف، وتحقيق العدالة في الوصول إلى الرعاية.
ويشمل هذا المفهوم عدة مكونات محورية، منها:
• تحليل التكاليف والعائد (Cost-Effectiveness)
• تمويل النظم الصحية (Health Financing)
• توزيع الموارد بعدالة (Equity in Health Access)
• تحليل العبء الاقتصادي للأمراض (Burden of Disease Analysis)
تبنّت المملكة العربية السعودية، ضمن رؤية 2030، استراتيجية طموحة لتطوير الاقتصاد الصحي، تقوم على:
• إعادة هيكلة نظام التمويل الصحي لضمان استدامته.
• توسيع نطاق التغطية التأمينية الشاملة (Universal Health Coverage).
• رقمنة القطاع الصحي وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب.
• الاستثمار في الوقاية والتثقيف الصحي لتقليل الأعباء المستقبلية على المستشفيات.
وتُعد هذه الجهود جزءًا من توجه عالمي يُدرك أن تحسين صحة السكان لا يتحقق فقط عبر بناء المستشفيات، بل من خلال السياسات الاقتصادية الذكية.
السويد:
من أبرز الدول التي طورت اقتصادًا صحيًا متكاملًا، يعتمد على تمويل الرعاية الصحية عبر الضرائب، مع تركيز كبير على الوقاية. وقد أظهرت الدراسات أن كل دولار واحد يستثمر في الوقاية يوفر أربعة اضعافه على المدى الطويل.
المملكة المتحدة:
اعتمدت نموذج ”الخدمة الصحية الوطنية (NHS)“ الذي يوفر رعاية مجانية عند نقطة الخدمة. كما طورت تقنيات لتقييم الجدوى الاقتصادية للعلاجات (HTA - Health Technology Assessment)، مما ساهم في تحسين جودة الإنفاق الصحي.
كندا:
تطبق نظامًا صحيًا عامًا ممولًا من الضرائب، يوفر تغطية شاملة، مع اهتمام خاص بتحسين صحة السكان الأصليين، من خلال برامج موجهة توازن بين العدالة والكفاءة.
ألمانيا:
جمعت بين التأمين الصحي الإلزامي والخاص، مما خلق تنافسية في تقديم الخدمات، مع الحفاظ على معايير عالية من الكفاءة والجودة.
أظهرت جائحة كوفيد -19 مدى الحاجة إلى أنظمة صحية ذات أساس اقتصادي قوي. فقد عانت الدول ذات الإنفاق الصحي غير المنظم من أزمات وانهيارات، في حين أظهرت الأنظمة القائمة على التمويل المستدام والتخطيط المسبق قدرة أكبر على الصمود.
أصبح الاقتصاد الصحي بعد الجائحة أولوية وطنية ودولية، مع بروز أهمية محاور عدة، منها:
• سلاسل الإمداد الدوائي.
• تمويل الطوارئ الصحية.
• التعاون الدولي في تبادل المعلومات والموارد.
شهد العالم تطورًا كبيرًا في استخدام التكنولوجيا لتعزيز كفاءة الأنظمة الصحية. ومن أبرز التطبيقات:
• الطب الرقمي (Digital Health)
• الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج (AI in Healthcare)
• السجلات الصحية الإلكترونية الموحدة (Electronic Health Records)
وقد أسهمت هذه الابتكارات في تحسين جودة الرعاية، وتقليل الأخطاء الطبية، وتوفير الوقت والموارد.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشادة بالقيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية، التي وضعت صحة الإنسان في صميم أولوياتها، وعملت على بناء اقتصاد صحي متين، ينسجم مع معايير الجودة العالمية ويخدم تطلعات المواطن والمقيم على حد سواء.
تسعى حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، من خلال سياسات واضحة وخطط طموحة، إلى تهيئة بيئة صحية وتنموية متكاملة، تحقق الرفاه للمجتمع، وتعزز مناعة النظام الصحي في مواجهة التحديات المستقبلية.
بعض المعلومات والتحليلات الواردة في هذا المقال تم استقاؤها من مصادر أكاديمية منشورة ضمن دراسات عليا متخصصة في مجال اقتصاديات الصحة.