آخر تحديث: 27 / 6 / 2025م - 11:42 م

المنبر الحسيني في زمن الذكاء الاصطناعي: نحو خطاب يواكب العصر

عيسى العيد *

يشكّل الدين الإسلامي منظومة عبادية غنية بالمواسم الروحية، التي تُعد بمثابة محطات إيمانية يتزود منها المسلم بالوقود الروحي والمعنوي. من أبرز هذه المحطات: يوم الجمعة من كل أسبوع، وشهر رمضان المبارك، وأيام الحج. وهي أيام ذات طابع خاص ومكانة مميزة في نفوس المسلمين عامة، لما تحمله من فرص للتقرب إلى الله تعالى، وتجديد العهد الإيماني.

وإلى جانب هذه المحطات المشتركة بين جميع المسلمين، تحتفظ كل طائفة أو مذهب بمحطات إضافية تمثل لها خصوصية دينية وروحية، وإن لم تكن بنفس مستوى رمضان أو الحج. ومن بين تلك الطوائف: أتباع المذهب الإمامي الاثني عشري، الذين يولون اهتمامًا خاصًا لبداية السنة الهجرية، ويعتبرون الأيام العشرة الأولى من شهر محرّم محطة عبادية وتوعوية مميزة، يتزودون خلالها من معين المعارف الدينية والقيم الأخلاقية.

وتتوج هذه الأيام بيوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من محرم، حيث وقعت فيه فاجعة كربلاء واستُشهد الإمام الحسين بن علي . وقد أصبح هذا اليوم وما سبقه من أيام مناسبة إحيائية مركزية في وجدان الشيعة، يتقربون بها إلى الله بإحياء ذكرى الحسين ونهضته التي كانت - بحسب رواياتهم - طلبًا للإصلاح في أمة جده رسول الله ﷺ.

وتتمثل أبرز مظاهر الإحياء في قراءة السيرة الحسينية، ومجالس الوعظ والإرشاد التي تُقام في الحسينيات والمساجد، لتسليط الضوء على القيم التي حملتها تلك النهضة. غير أن هذه المجالس لا تقتصر على سرد الماضي فحسب، بل تسعى لتقديم خطاب وعظي حيٍّ يواكب متغيرات الزمان وتطورات العقول. فخطبة أُلقيت قبل ألف سنة لا تصلح بالضرورة لجيل اليوم، لأن تفكير الناس واحتياجاتهم قد تغيّرت، بفعل التحولات الثقافية والمعرفية.

وفي هذا العام، برزت أمامنا أدوات وتقنيات جديدة، أبرزها تقنية الذكاء الاصطناعي، التي سهلت على الخطيب استحضار الموضوعات التثقيفية، واختصرت الوقت والجهد في التحضير للمحاضرات. كما أصبح الوصول إلى الأدلة والقصص والعبر أكثر يُسرًا، مما يتيح للخطيب بناء خطاب أكثر قوة وثراءً بالمضامين.

وبناءً على ذلك، فإن من المنتظر أن يرتقي الخطاب المنبري هذا العام، إذ لم يعد المتلقي يكتفي بما هو مألوف أو مكرر من الطروحات القديمة التي قد استُهلكت ولم تعد نافعة كما كانت من قبل. صحيح أن بعض المواضيع ذات الطابع الأخلاقي يمكن إعادتها للتذكير، لكن المحاضرات الثقافية والعلمية تستدعي مستوى أعلى من الطرح، يواكب ما أتاحته هذه التقنيات الحديثة من أدوات معرفة وسرعة في الوصول إلى المعلومة.

إننا اليوم في حاجة ماسّة إلى خطيبٍ واعٍ ومثقف، لا يكتفي بنقل النصوص والسرديات، بل يملك القدرة على تحليل الأفكار واستخراج المضامين العميقة وتقديمها للمستمع بشكل يرتقي بعقله ويوسّع أفق تفكيره.

صحيح أن هذا الموسم مخصص في جوهره لإحياء سيرة الإمام الحسين ، غير أن هذه السيرة الزاخرة بالعِبَر تتيح للخطيب أن يستخرج منها مفاهيم فكرية وثقافية تصب في خدمة وعي المجتمع. ومن هنا، فإن تغليب المواضيع التي تغذّي العقول وتثري الفكر على المواضيع العاطفية، مع أهميّة هذه الأخيرة، يُعدّ ضرورة، لأن الطرح العاطفي مهما بلغ أثره يبقى ذاتيًا ووقتيًا، بينما الطرح الفكري يترك أثرًا دائمًا، وينشئ مستمعًا مدركًا واعيًا.

إننا في زمن الذكاء الاصطناعي والتطور المعرفي المتسارع، في أمسّ الحاجة إلى منابر دينية فاعلة وواعية، قادرة على التفاعل مع القضايا الفكرية والإنسانية، ومواكبة الأطروحات العالمية بلغة الحسين ونهضته، لا أن تنعزل عنها باسم التقليد أو التكرار.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
حوراء الموسى
21 / 6 / 2025م - 2:51 م
أنا ما أختلف معاك كثير.. لكن أخاف من انزلاق بعض الخطباء إلى الاعتماد الكلي على التقنية فيصير الكلام مرتب لكن بلا حرارة ولا إحساس
2
زكي لباد
[ العوامية ]: 21 / 6 / 2025م - 5:02 م
مقالك جريء بس أتمنى يصير وراه مشروع فعلي. ليش ما يصير في ورش تدريب للخطباء على أدوات الذكاء الاصطناعي؟