آخر تحديث: 15 / 6 / 2025م - 3:16 م

الصداقة الصادقة

محمد يوسف آل مال الله *

يقول الإمام علي : ”صديقك مَنْ صَدَقَك، لا مَنْ صَدّقَك“.

الصداقة الصادقة من أعظم النِّعم التي قد يُرزق بها الإنسان في حياته، بل تُعتبر كنزًا لا يُقدَّر بثمن، ذلك أنّ الصديق الحقيقي هو من يقف إلى جانبك في أوقات الشدة قبل الفرح، ويمنحك قلبه قبل يده، ويصدقك القول وإن كان مُرًّا.

عندما تحاول أن تستبين الصديق الصادق من جملة أصدقائك، قطعًا ستتفاجأ بأنّك تعيش وهمًا ببعضهم، فليس جميعهم أصدقاء صادقين، فالصديق الصادق لا يتغيّر بتغيّر الظروف، ولا يتخلّى عند أول اختبار، هو مَن يعرف عنك ما لا يعرفه غيره، ويحفظ سرّك، ويدافع عنك في غيابك، ويُشعرك أنّك لست وحدك في هذا العالم المتسارع والمتغيّر. هو من يفرح لفرحك، ويحزن لحزنك، ويشدّ على يديك عندما تضعف، ويذكّرك بالله عندما تضلّ الطريق. فهل كل أصدقائك من هذا النوع؟

من السهل جدًا أن تجد لك أصدقاء كثيرين، ولكنّ العثور على الصديق الصادق يتطلب الكثير من المهارات الشخصية والوعي، شريطة أن تكون لديه القابلية لأن يُثبت نفسه بنفسه من خلال معاملاته وسلوكه وتعاطيه معك، ويحمل تلك المشاعر التي أشرنا إليها سابقًا.

أهم المهارات لانتقاء الصديق الصادق:

الملاحظة والتمييز، وذلك بمراقبة كيف يتعامل مع الآخرين والحصول على إجابات: هل هو صادق أم منافق؟ هل يحترم الناس في غيابهم أم يغتابهم؟ هل يحترم الآخرين ويشكرهم؟ فمن خلال هذه الملاحظات، سوف تتعرّف على الكثير من سلوكياته الشخصية.

التواصل، وذلك من خلال الحديث معه في مواضيع مختلفة والاستماع الجيّد والفعّال، فهذا يساعدك على فهم طريقة تفكيره وكيف يتحدث: هل هو صادق في كلامه أم مجرّد هرطقات، ويهرف فيما لا يعرف؟ هل تجد قيمًا مشتركة بينكما أم لا؟

معرفة القيم المشتركة، فالصداقة الحقيقية تقوم على قيم مشتركة مثل الأمانة، والوفاء، والاحترام، والتواضع. فإن كانت قيمكما مختلفة تمامًا، ستظهر المشاكل مع الوقت، وسوف تنتهي علاقة الصداقة برمّتها.

اختبار المواقف، فهي تكشف معادن الرجال، جرّب أن تمرّ بموقف صعب أو حرج، وراقب كيف يتصرف، فالصديق الصدوق لا يهرب وقت الضيق، بل يكون أوّل من يقف بجانبك ويدعمك فيما تحتاج.

الصبر وعدم التسرّع، إياك أن تتسرّع في إطلاق لقب ”صديق صادق“ على أي شخص بسرعة، فهذا الأمر يأخذ وقتًا طويلًا في التعرّف على الصديق الصادق، فالصداقة الحقيقية تُبنى مع الوقت.

الثقة والإفصاح التدريجي، احذر… إياك أن تعطي أسرارك كلّها من البداية. اختبره أوّلًا بمواقف صغيرة، لترى إن كان أهلًا للثقة.

الاستماع للحدس «الشعور الداخلي»؛ أحيانًا تشعر من البداية أنّ هذا الشخص غير مريح، أو أنّ هناك شيئًا مريبًا يشغل بالك تجاهه، فلا تتجاهل هذا الإحساس، لأنّه في كثير من الأحيان يكون صادقًا.

نحن نعيش في زمن كثرت فيه المصالح، وقلّت فيه القلوب النقيّة، وقد أصبحت الصداقة الصادقة عملة نادرة، لكنّها لا تزال ممكنة إذا ما حرصنا على تطبيق تلك المهارات. يكفي أن نكون نحن أصدقاء حقيقيين للآخرين، لنزرع بذرة الوفاء، ونُعيد للقلوب صفاءها.

يبقى السؤال، كيف نحافظ على هؤلاء الأصدقاء الصادقين؟

لا شكّ أنّ المحافظة على هؤلاء الأصدقاء الصادقين أصعب من العثور عليهم، فالمحافظة عليهم تتطلب الكثير من الأعمال التي تساعدك على فعل ذلك، منها ما يلي:

التواصل الدائم، حيث يتطلّب تخصيص وقتٍ للحديث معه، حتى ولو برسالة بسيطة، ولا تجعل الانشغال سببًا في الانقطاع، فالصديق يحتاج إلى الشعور بقيمته في حياتك.

الوفاء بالوعد والثقة، فلا تكشف أسراره، ولا تخنه مهما حدث، وأن تحافظ على ثقته بك كما تحب أن يحافظ على ثقتك به.

الدعم في الأوقات الصعبة، كن بجانبه إذا مرّ بمشكلة أو حالة حزن، ولو بكلمة طيبة أو وقفة صادقة، فذلك يعني له الكثير.

قبول الاختلاف، إذ لا يوجد صديق مثالي، فلكل شخص عيوب، لذا حاول أن تتقبّل صديقك كما هو، طالما لا يؤذيك، واعمل على مساعدته في تحسين وتعديل ذلك السلوك بالنصيحة والكلمة الطيبة.

الاعتذار عند الخطأ، فليس ثمّة شخص معصوم، فإذا أخطأت في حقه، لا تتردد أبدًا في الاعتذار وطلب الصفح. وتذكّر أنّ الصدق في الاعتذار يقوّي العلاقة ولا يُضعفها.

المشاركة في اللحظات الجميلة، شاركه أفراحه ونجاحاته، وكن أوّل من يفرح له ويهنئه، فهذه اللحظات تصنع ذكريات لا تُنسى بينكما.

الاحترام المتبادل، فلا تستهزئ به أو تقلل من شأنه على الإطلاق، وخصوصًا أمام الآخرين، فهذا مدعاة لجرح المشاعر وكسر القلوب. بل حتى المزاح يجب أن يكون بحدود، مع ملاحظة المكان والزمان.

الدعاء له بظهر الغيب، فمن أجمل صور المحبة أن تدعو لصديقك دون أن يعلم، فالدعاء يربط القلوب، ويزيد المحبة، ويوطّد العلاقة والألفة.

إنّ ما يجعل استدامة الأصدقاء صعبًا هو المحافظة على التوازن في السلوك والتصرفات، ففقدان هذا التوازن يُفضي إلى جراحات صغيرة وكبيرة، حتى وإن كانت خدوشًا فهي تؤذي وقد تكبر ولا تلتئم.

علينا أن ننظر إلى الجودة في انتقاء الأصدقاء، لا العدد، فاختيار الأصدقاء يحتاج إلى مهارة الذكاء الاجتماعي والعاطفي، والذي يُعرّفه علماء النفس بأنّه ”القدرة على فهم الناس والتفاعل معهم بفعالية، والتصرّف بشكل مناسب في المواقف الاجتماعية المختلفة. يشمل ذلك فهم المشاعر والدوافع والسلوكيات، وبناء علاقات ناجحة قائمة على التعاطف والوعي والسلوك الواعي“.

الصداقة الصادقة لا تحتاج إلى تكلّف، ولا إلى كلمات منمّقة. يكفي نظرة، أو صمت مشترك، أو وقوف صامت في وقت الحاجة، لتقول كل شيء.

فليحفظ الله أصدقاءنا الصادقين، أولئك الذين يضيئون حياتنا ببساطة وجودهم، ويجعلون دروبنا أقل قسوة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
كوثر
14 / 6 / 2025م - 12:59 م
في زمن تغيرت فيه القلوب، مقالك يا أستاذ محمد رجعنا لجذور المعنى الحقيقي للصداقة. الصديق الحقيقي ما يساير، يواجهك بحقيقتك، وهذا أثمن من ألف مجاملة
2
باسم
14 / 6 / 2025م - 1:41 م
أنا مع المقال بنسبة كبيرة، بس عندي ملاحظة:

أحيانا نحط معايير عالية جدا للصديق ونتوقع منه يكون مثالي وهذا يسبب خيبة ظن. الصداقة الصادقة تحتاج مرونة وقبول متبادل مو بس تقييم دائم
3
عماد آل عبيدان
[ Saudi Arabia ]: 15 / 6 / 2025م - 11:28 ص
الصداقة الحقيقية لا تبنى على المظاهر، بل على صدق القلب، وقيمة الصديق تُقاس بما يقدّمه دون انتظار مقابل.

بصدق وصراحة:، إذا كان عندك ربع وأصدقاءمثل هالصديق، فأنت في أمان.