آخر تحديث: 14 / 6 / 2025م - 3:30 م

شهامة وتضحية وفداء

جمال حسن المطوع

ما زالت الروح الإنسانية تتجسّد وتفيض شهامةً ورجولةً وتضحيةً وفداءً عند أولئك الذين يقدّمون أنفسهم قرابين من أجل غيرهم من البشر، فتراهم يتفانون في تأدية الواجب، ساعين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح وممتلكات، فإذا بهم يتدافعون في خوض الغمرات المميتة، ضاربين أروع الأمثلة التي ستُخلّد ذكراهم بمداد من ذهب، ويكونون مَثَلاً خالداً تقتدي به كل نفسٍ غيورة، شغلها الشاغل السير على هذا النهج البطولي الذي أشاد به القاصي والداني، حتى أصبح حديث الساعة.

ومن رواد هؤلاء، نخبة من الرجال، ومِثالهم الحيّ الماثل للعيان، حقيقةً وواقعاً لا غبار عليه، هو صاحب ذلك الحدث المميّز الذي تناقلته وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي، عن رجلٍ بطولي كان يقود مركبةً كبيرة عبارة عن صهريجٍ محمّلٍ بالبترول، وأثناء التفريغ في محطة الوقود، فجأة اشتعلت النيران في الصهريج وخرجت عن نطاق السيطرة، فما كان من سائقه المذكور إلا أن شغّل المركبة، والنار تشتعل فيها، وإذا به يقودها إلى مكانٍ آمن حتى لا تنفجر وتؤدّي إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، متمثلاً بقول الله سبحانه وتعالى:

﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32]، صدق الله العلي العظيم.

هنا، قدّم نفسه مضحّياً بنفسه وجسده لينقذ الناس من هذه الكارثة، لو وقعت - لا سمح الله - وقد أُصيب السائق المذكور بحروقٍ مميتة نُقل على إثرها إلى المستشفى وهو في حالة حرجة، وما هي إلا أيامٌ قلائل حتى فارقت روحه الحياة، مُخلّفًا وراءه عائلة مكوّنة من زوجة وأربعة أطفال. وفي جنازةٍ مهيبة، لاقى أثناء تشييعه جماهير غفيرة لا تُحصى ولا تُعد، تقديرًا ووفاءً له، وتعاطفًا مع هذه المأساة، رافعةً أكفّ الدعاء أن يتولاه الله برحمته ورضوانه ومغفرته، وأن يُسكنه فسيح جناته.

ومن جانبها، قامت الدولة - مشكورة - بتكريمه بوسامٍ يليق بتضحياته، حيث أطلقت اسمه على أحد الشوارع المهمّة، وتكفّلت بصرف راتبٍ لأسرته مدى الحياة، ليصبح رمزًا خالدًا وذكرى باقية تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.