ضرس العقل: متى يصبح خلعه حتميًا وما علاقته بالصداع؟

أكد استشاري طب الفم، الدكتور محمد الحارثي، أن التعامل مع ضرس العقل يتطلب وعيًا طبيًا متخصصًا بعيدًا عن المفاهيم الشعبية المتوارثة، موضحًا الأسباب الطبية وراء مشاكله الشائعة ومتى يصبح خلعه ضرورة لا مفر منها.
ونفى الدكتور الحارثي، في سياق حديثه، أي ارتباط عضوي أو وظيفي بين ظهور ضرس العقل والقدرات الذهنية أو العقلية للفرد.
وأشار إلى أن تسميته الشائعة، وكذلك المصطلح الإنجليزي ”wisdom tooth“، جاءت نسبةً لظهوره عادة في مرحلة عمرية متأخرة نسبيًا، تتراوح بين السابعة عشرة والخامسة والعشرين عامًا، وهي الفترة التي يُفترض فيها بلوغ النضج العقلي.
وأشار الدكتور الحارثي إلى أن ضرس العقل، كونه آخر الأسنان الدائمة ظهورًا في مؤخرة الفكين، قد لا يبزغ بشكل كامل أو سليم لدى جميع الأشخاص، وفي بعض الحالات قد لا يظهر إطلاقًا.
وأوضح أن السبب الرئيسي في ذلك غالبًا ما يعود إلى عدم كفاية المساحة المتوفرة في الفك، مما يؤدي إلى بقائه مطمورًا كليًا أو جزئيًا داخل عظم الفك أو اللثة، وهو ما يُعرف طبيًا بالضرس المدفون.
وأضاف أن موقعه المتأخر في قوس الفك يجعل عملية تنظيفه بالغة الصعوبة، مما يجعله بيئة خصبة لتراكم بقايا الطعام والبكتيريا، الأمر الذي قد يتسبب في التهابات لثوية شديدة، أو تكوّن خراجات، أو حتى انتشار العدوى إلى مناطق أعمق في الفك أو الرقبة أو المفصل الصدغي، خاصة عندما يكون الضرس ظاهرًا جزئيًا وتتكون جيوب لثوية حوله.
وفيما يتعلق بالآلام المصاحبة لضرس العقل، بيّن الاستشاري أن هذه الآلام قد لا تقتصر على منطقة الضرس فحسب، بل قد تمتد لتشمل مناطق قريبة مثل الأذن أو الرقبة أو مفصل الفك، وفي بعض الأحيان يكون الألم ناجمًا عن الضغط الذي يحدثه الضرس أثناء محاولته شق طريقه وسط اللثة أو بين الأسنان المجاورة، وهو ما قد يُخلط في التشخيص مع حالات أخرى كالتهابات الأذن أو الجيوب الأنفية.
وشدد الدكتور الحارثي على خطورة الانسياق وراء الوصفات الشعبية والخلطات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يُدّعى أنها تعالج التسوس أو تسحب الألم.
وأكد أن التسوس هو تآكل فعلي في بنية السن يستلزم تدخلًا طبيًا متخصصًا يشمل التنظيف والحشو، وقد يتطلب الأمر علاجًا للجذر أو حتى تركيب تيجان، معربًا عن استغرابه من تصديق البعض لهذه الوصفات وتشكيكهم في رأي الأطباء المختصين.
وحدد الدكتور الحارثي الحالات التي يصبح فيها قرار خلع ضرس العقل هو الخيار الأمثل، وتشمل تسببه في التهابات متكررة، أو وصول التسوس إلى عصب السن، أو إحداثه ضررًا بالضرس المجاور، أو إذا أظهرت الصور الشعاعية أنه مائل بشكل قد يؤثر سلبًا على انتظام بقية الأسنان.
وأشار إلى أن وجود أكياس مرضية أو أورام حميدة حول الضرس، رغم ندرتها، يستوجب التدخل الجراحي.
وفيما يخص تأثير ضرس العقل على علاجات تقويم الأسنان، أوضح أن ضروس العقل المائلة قد تدفع الأسنان المجاورة مسببة تزاحمًا، لذا يُنصح في كثير من الحالات بخلعها قبل بدء التقويم أو خلاله إذا تبين تأثيرها المستقبلي.
وحول المخاوف المتعلقة بعملية الخلع وقرب الضرس من عصب الفك، طمأن الدكتور الحارثي بأن هذا الخطر، الموجود خاصة في الفك السفلي، نادر الحدوث إذا تمت الجراحة على يد طبيب مختص، وقد يقتصر في بعض الحالات على تنميل مؤقت يزول تدريجيًا.
وأضاف أنه لا يتم عادة استبدال ضرس العقل بزرعة صناعية بعد خلعه، نظرًا لكونه غير أساسي في عملية المضغ الفعالة أو الناحية الجمالية للابتسامة، إلا في حالات استثنائية جدًا يكون فيها الضرس قد خُلع رغم سلامة وضعه الوظيفي.
واختتم الدكتور محمد الحارثي حديثه بالتأكيد على أن الوقاية تظل خط الدفاع الأول، وذلك من خلال الالتزام بالزيارات الدورية لطبيب الأسنان كل ستة أشهر، والتي تتيح الكشف المبكر عن أي مشكلات وتفادي تفاقمها وما يترتب على ذلك من آلام وتكاليف ومضاعفات.
ونصح بضرورة العناية اليومية بنظافة الفم والأسنان باستخدام الفرشاة والمعجون وخيط الأسنان والمضمضة الطبية، مع تجنب الإفراط في تناول السكريات اللاصقة.
ودعا الجميع إلى عدم ترك التعامل مع أي أعراض متعلقة بضرس العقل، كالألم أو الانتفاخ، للاجتهادات الشخصية أو العلاجات الشعبية، والتوجه فورًا للطبيب المختص، مشيرًا إلى أن ضرس العقل قد يبقى صامتًا لسنوات ثم يتسبب فجأة بمشكلات كبيرة، وأن الوعي الصحي هو السبيل الأمثل للوقاية وتجنب المضاعفات.