آخر تحديث: 1 / 5 / 2025م - 4:31 م

كيف نصنع كتّابًا عظماء

ياسين آل خليل

عندما تتداخل الطموحات مع الواقع، يجد كثير من هواة الكتابة أنفسهم عالقين في دوامة المجاملات التي يقدمها بعض الكتاب المحترفين. فبدلًا من النقد البنّاء والتوجيه الصادق، يتلقى هؤلاء الهواة إشادات مبالغًا فيها، توهمهم بأنهم على طريق الاحتراف، بينما هم في الحقيقة لم يخطوا سوى خطواتهم الأولى. هذه الظاهرة ليست مجرد مجاملة عابرة، بل هي فخ حقيقي قد يعيق تطور الموهوبين ويكرّس الرداءة في الساحة الأدبية.

عندما يسمع الكاتب الهاوي كلمات مثل ”كتابتك مذهلة“ أو ”أسلوبك فريد“ دون أي ملاحظات نقدية، فإنه غالبًا ما يكتسب ثقة زائفة. هذا الشعور بالإنجاز غير المستحق قد يجعله يعتقد أنه لم يعد بحاجة إلى التعلم أو تطوير أدواته. لكنه حين يواجه قراءً ونقادًا أكثر صرامة، يكتشف الحقيقة الصادمة بأن كتاباته لا تزال تحتاج إلى الكثير من الصقل والعمل.

الكاتب الحقيقي هو الذي يراجع نفسه ويبحث عن الأخطاء قبل أن يشير إليها الآخرون. لكن عندما يُغرق المحترفون الهواة بالمجاملات، فإنهم يسلبونهم أهم أداة للتطور ألا وهي النقد الذاتي. يصبح الكاتب الهاوي مقتنعًا بأن كل ما يكتبه يستحق النشر، حتى لو كان يفتقر إلى الأفكار العميقة، أو الأسلوب المحكم.

ما دام الكاتب الهاوي مقتنعًا بجودة أعماله دون أن يتلقى ملاحظات حقيقية، فإنه سيواصل إنتاج نصوص ضعيفة. ومع الوقت، يمتلئ المشهد الأدبي بأعمال تفتقر إلى الجودة، ما يؤدي إلى تراجع الذائقة العامة للقارئ، وإلى انتشار المحتوى الرديء على حساب الأدب الراقي القوي.

أسوأ ما في هذه الظاهرة هو أن الكاتب الهاوي، الذي ظل لسنوات يصدق أنه عبقري زمانه، سيتلقى صدمة قاسية عندما يحاول نشر كتاباته خارج دائرة المجاملين. حينها، سيجد أن القارئ الحقيقي لم يعد يمنحه الاهتمام الذي اعتقد أنه يستحقه. في كثير من الحالات، يؤدي هذا إلى شعور بالإحباط قد يدفعه إلى ترك الكتابة تمامًا.

عندما يتحول النقد إلى مجاملات فارغة، فإن الضرر لا يقتصر على الكاتب الهاوي فقط، بل يمتد إلى المشهد الأدبي بأكمله. فبدلًا من أن تكون الساحة الأدبية ميدانًا للتنافس على الإبداع والجودة، تصبح ساحة لتعزيز الأوهام، ما يؤدي إلى تدني مستوى الكتابة بشكل عام.

إذا كان المحترفون يريدون حقًا دعم المواهب الصاعدة، فعليهم أن يكونوا صادقين في نقدهم. المجاملة لا تبني كاتبًا، بل تدمره. ما يحتاجه الهواة ليس كلمات الثناء الفارغة، بل ملاحظات عملية تساعدهم على تحسين أسلوبهم وتطوير مهاراتهم. النقد البنّاء، حتى لو كان قاسيًا في ظاهره، هو ما يصنع الكتاب العظماء.