آخر تحديث: 1 / 5 / 2025م - 4:31 م

رجل عُرف بالوفاء

أحمد منصور الخرمدي *

من الأمور المعروفة أن جزيرة تاروت التاريخية، من المنطقة الشرقية - المملكة العربية السعودية، فيها من الرجال المميزين وكذلك من السيدات، ولا سيما في سنوات الأربعينيات حتى السبعينات، يختلف هؤلاء بحسب نشاطهم وعلومهم وتخصصاتهم، فمنهم كبار العلماء والأكاديميين من الأطباء والدكاترة وأصحاب الصناعة المهنيين والمثقفين من المعلمين والمعلمات، ومن الإدارين والأدباء والكتاب والشعراء والمؤرخين، ومن بينهم كان رجل عصامي من جزيرتنا الغالية، ترك برحيله عن دنيانا في القلوب أثرا لا ينسى، وذكرى عطرة لا تمحوها السنين، والذي سوف يكون محور حديثنا في الأسطر التالية:

الوالد المرحوم «والد الجميع» الحاج الموقر الأستاذ والوجيه عبد الجليل بن عبد الله الحجاج «أبو عبد الله» عبدالجليل عبد الله أحمد الحجاج، ومن سيرته الذاتية التي أطلعنا عليها، ولد في جزيرة تاروت عام 1355 هجرية، عاش في كنف والديه لازم أباه الخطيب منذ صغره، حتى تعلم فن الخطابة والكتابة والإلقاء منذ صغره مفوه يتقن ارتجال الكلم بجدارة وكأن الخطاب معد ومحضر مسبقاً، ويذكر أن المرحوم كان ذكياً جداً، يعاون المعلمين ويساعد الطلاب في شرح الدروس، مساعداً للجميع وبرز دور تقدمه في التعليم من مراحله الأولى، حتى إنه منح تخطي نقله من مرحلة الصف الثاني الابتدائي إلى الصف الرابع نظير فهمه المتقدم، وكذلك جاء مما يؤكد من معلومة من بعض الرجال ممن عاصروه كان المرحوم من النشطاء البارزين بمحافظة القطيف في المناسبات الرسمية والوطنية، وعين أمين للصندوق ببلدية جزيرة تاروت، حتى تقاعده، كانت جهوده واضحة في خدمة المجتمع والوطن، وهو رحمه الله من رجالات جزيرة تاروت ومن أبرز الأعيان المعاصرة حين ذاك، وإن تاريخ حياته رحمه الله عليه كان حافلاً بالإنجازات، وهو ينحدر من عائلة كريمة، ولها بصمات في المجال العلمي والأدبي والديني.

كان رحمه الله من أوائل المتعلمين، يملك الإيجاده العالية في الكتابة والقراءة والفصاحة في الخطابة والكلم، وقد مثل الأهالي في أكثر من مناسبة ومحفل، وقد انخرط في العمل التطوعي النبيل والإنساني، وشارك في العديد من الأعمال التطوعية والخيرية والإنسانية، وفي رثاء أيام العزاء حيث وفاته الخميس 18 / 2 / 1428 هجرية، تحدث سماحة الشيخ الموقر حسن بن موسى الصفار قائلاً عن الفقيد، أن فقده لم يكن بالأمر البسيط بالنسبة للجميع، فقد كان الأب الحنون والرجل الصالح والإنسان بحنانه المرهف ومشاعره الطيبة، وقد استعرض سماحته - حفظه الله - جزءًا من سيرة حياته في ميزان العمل الخيري والتطوعي في جزيرة تاروت، مؤكداً على أن المرحوم أحد أعيان جزيرة تاروت وواحداً من وجهائها المعاصرين ورجالاتها، وكما جاء لعلمنا كذلك كان له دور إنساني نبيل، على تحفيز القراء الحسينيين المبتدئيين وقتها، مساعدته والشد بأيديهم في تخطي العقبات والصعوبات التي يواجهونها ومن أبرز ما قام به المرحوم تشجيعهم عل الأقدام وكسب الثقة بالنفس وزرع فيهم الطموح وكما جاء من قول موثق إن الخطيب الحسيني حسين الفضل أبو شريف حفظه الله ممن واجه هذا الموقف النبيل من المرحوم وناله اهتمامه، إضافة على عمله الخيري والإنساني بمساعدة الشباب المقبلين على الزواج مادياً ومعنوياً، ومما هو جدير بالذكر أن جمعية تاروت الخيرية تشهد له بحقبة زمنية ليست بالقصيرة متطوعاً لدى الجمعية بكل جد ونشاط وتفان وإخلاص، وهو من أحد الرجال المؤسسين للجمعية التي تأسست عام 1387 هجرية، وسجلت لدى مقام الشئون الاجتماعية برقم «12» وكان له دور في دعم أنشطة الجمعية وأهدافها، وقد عين محاسباً وأميناً للصندوق في عمله ببلدية جزيرة تاروت، فكان مثالاً للوفاء والإخلاص والتعامل الحسن مع الجميع.

ومن خلال الاستطلاع العام، فقد أثنى العديد من رجالات جزيرة تاروت ممن عاصروه وكذلك من شخصيات مجتمعية وثقافية ودينية بارزة ممن شاهد عمله طيلة حياته، وفي شهادة من سماحة الشيخ الموقر أحمد القطري، وهو ليس من الجيل للمرحوم، ولكن عايش فترة من حياته، وقرأ في مجلسه، معرفاً عنه أنه كان خادماً للإمام الحسين والتمس منه طيبة القلب والكرم والخلق الرفيع في المعاملة وحسن الاستقبال والتواضع مع الكبير والصغير، وكان وصولاً مع مجتمعه، مخلصاً في عمله وأمين، ورجل خير ومعروف بالإحسان.

وفي سطور حزينة ومقتضبة نظمها أحد أبنائه الأستاذ الوجيه المعروف زهير بن عبد الجليل الحجاج، وهو أحد رجالات جزيرة تاروت الخيرين، معبراً عن ألمه بفقدان والده رحمه الله وهي كما وصلتنا نصاً:

سبعة عشر عاما كأنها الأمس

في مثل هذه الأيام انتقل إلى رحمة الله تعالى والدي «أبي» صديقي وحبيبي وخلي الوفي، رحل العبد الصالح عن عالم الدنيا إلى لقاء ربه ولا زال بيننا مكانه، أتلمسه وصوته الدافئ في كل مكان أسمعه، وتواضعه النبيل أشعر به، وأتحسسه ونظراته الحانية تفرحني وابتسامته الصادقة مع الجميع على محياه طيلة حياته، لم أر فيك يا أبي إلى عظيم الخلق والصدق والحق قارئ القرآن الكريم بصوتك الجميل المميز محفاظاً مداوماً على الصلاة، فيك أدب القول والكلام المهذب وحسن الجوار مع جيرانك والمجتمع، تتعامل بمعدنك الناصع ونظافة قلبك الكبير مع الجميع دون تكلف الشبل والصغير محترم والكبير موقر وإفشاء السلام منهجك والجميع في المجتمع تعوده وتزوره وصلاً تقديراً وتعزيزاً والوطن كله أهلك لا أرى فيك غير معاني النبل والتقوى ومدرسة الخلق.

سبعه عشر عاما كأنها الأمس

الله أكبر كم من العمر مضى ولم يكن هذا الفراق هين وبسيطاً بل خلف ألم شديد ووجع كبير لم يكن رحيلك بالأمر الطبيعي على قلبي، ولم تكن هذه الصدمة غير نزع الروح من الجسد لروحي حتى إنني لم أدرك طريقي المعتاد الذي طالما كنت أسلكه محيت ذاكرتي دون سيطرة على مشاعري لم أر ولم أدرك ما في هذا الكون، ولم أتصور هذا الحزن السرمدي يمتد طيلة حياتي، كيف لا وإنك رجل القرآن الكريم الحافظ لكتاب الله الذي لم يفارق دفة يداك طيلة حياتك، مؤذناً وملبياً لتكبير نداء الصلاة، تواضعك الملكوت نابعة من إجلال القيم الإسلامية ابتسامتك الصادقة شفاء تحت كل الظروف، وكرمك السخي على الجميع، لا أنسى وأنت تحدثني بجملة طالما كنت تسمعني إياها وتتأثر بها: «أنا أتألم إذا وجدت الفقير يا ابني ولا أستطيع مساعدته وأكثر ما يتعبني أن أرى امرأة تحتاج للغريب دون تلبيتها هذا الأمر يوجعني» آآآآه يأسرني قلبي كيف لا أعشقك وأنت من علمتني الحب والاحترام والصدق والطيب وعمل الإحسان خصلتك وصفاتك كنت نادراً في الوجود بإيمانك المسالم، أنت المؤمن عبدالجليل عبدالله الحجاج المخلص الوفي لله وأهل البيت الكرام المحب لخلقه بالإحسان دون تفريق.

أبتاه في القلب نبض يهواك
وفي الصدر ما يروق ذكراك

مهما بعدت الأعوام لا زلت طفلا برباك كل الدروب تحكي كم قصة بخطاك تخايلني كأنها الأمس في سناك

ودار يهفو لها الفؤاد إياك،
فأنت الحب والعطر ونسيم فاك،
حديثا لا تمله أذناي ويداي بيداك
في كل عيد أطالع بسم عيناك
وأتحسس ما لمستني يداك
كأنك النسيم برفق ينادي صفاك
هادئ كأحلام الطفولة بكفاك

أبحث عن كل ضوء صادف جفناك ليخبرني أني لا زلت أعيش برضاك كل الدروب تناديني هنا أباك وأنا أحاكيها ما فارقني نداك، رحم الله من قرأ سورة الفاتحة المباركة، وأهدى ثوابها لروح الوالد وجميع موتاكم وموتى المسلمين والمسلمات، وأسأل الله العلي القدير أن يشمل الجميع برحمته الواسعة أن الله على كل شيء قدير وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.