شارع النفيسة غرس لقيم الوفاء
في كل وطن، هناك رجال كتبوا أسماءهم على جدران التاريخ لا بالحبر، بل بالعطاء والإخلاص، فصاروا جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة المكان وروحه. ومن هنا، يأتي توجيه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإطلاق اسم الدكتور مطلب النفيسة - رحمه الله - على أحد شوارع شمال العاصمة الرياض، تكريمًا لمسيرة امتدت ستين عامًا من خدمة الدين والوطن والملوك، بوصفها لفتة تحمل دلالات أعمق من مجرد تغيير لوحة شارع، إنها غرس لقيم الوفاء في ذاكرة المدن.
حين تحمل الشوارع أسماء رجال عظماء، فإنها لا تكتفي بدور الإرشاد الجغرافي، بل تتحول إلى معالم تربوية تبث الرسائل في وجدان المارة في رسالة مفادها أن هذا الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين. وأن الإنجاز الحقيقي لا يذروه النسيان، بل يرسخ حيث تطأ الأقدام وحيث تتردد الأسماء صباح مساء. الدكتور مطلب النفيسة، الذي جسد في مسيرته قيم العمل الدؤوب والصمت المثمر والولاء الراسخ، يستحق أن تكون روحه الطيبة حاضرة بيننا كلما عبرنا هذا الطريق، لعلّ في ذلك إلهامًا للأجيال الجديدة أن المراتب الرفيعة تبنى بالعطاء لا بالضجيج.
ليس أجمل من أن تتزين مدننا بأسماء من غرسوا بذور الخير في أرض هذا الوطن. إن تسمية الشوارع بأسماء القامات الوطنية يخلق علاقة وجدانية بين المواطن وتاريخه، ويُعيد الاعتبار للرموز الذين خدموا بصمت وأمانة. إنه مشروع حضاري بامتياز، ينبغي أن يستمر فيه ويتوسع، حتى لا تبقى ذاكرة الأجيال الجديدة حبيسة الأسماء المجهولة والرموز الغائبة، بل تتربى وهي تمر يوميًا أمام قصص حية تُلخص معنى الولاء والبذل في سبيل الوطن.
في زمن يركض مسرعًا نحو المستقبل، تبقى هذه المبادرات ضرورية لتأصيل الجذور، وتذكير الأجيال أن ما نحن عليه اليوم لم يكن ثمرة المصادفة، بل حصاد جهود رجال ونساء نذروا حياتهم للنهضة والرقي. وحين يرى الشاب والطفل والضيف أن كل شارع يحكي حكاية عطاء، فإن روح الانتماء تنمو في الصدور من حيث لا يشعرون.
توجيه سمو ولي العهد لا ينبغي أن يكون مجرد خبر عابر في وسائل الإعلام، بل بداية مشروع وطني واسع، تتبناه الجهات المعنية، لوضع سجل مشرّف لأسماء الرجال والنساء الذين صنعوا الفرق، ليكونوا علامات مضيئة على دروب الوطن. فلنصنع من شوارعنا صفحات ناطقة بالعزّ والإخلاص، ولنُعطِ كل صاحب فضل فضله.
وها هو اسم مطلب النفيسة، يمضي بين طرقات الرياض، كما مضت حياته عامرة بالوفاء والعطاء، فيا لها من ذاكرة، ويا له من شارع يحكي قصة رجلٍ لا يمضي أثره.