آخر تحديث: 29 / 4 / 2025م - 8:32 م

بناء الزوجية المحكم

حكيمة آل نصيف

الزواج ما هو إلا شراكة قائمة على أسس يسعى كل طرف فيها لتحقيق هذه الأسس من خلال مراعاة المعايير المنصوصة بينهما، فمتى ما سارت العلاقة وفقا لهذه المعايير حققا الأهداف المرجوة والتي من شأنها إصلاح ونجاح العلاقة بينهما.

لكن هناك الكثير من الأزواج بعد مرور فترة على علاقتهما - وإن طالت - نلاحظ أنه يدب الضعف في علاقتهما وشيئا فشيئا تظهر بوادر الخسارة التي تؤدي إلى الانفصال الحقيقي أو العاطفي.

والانفصال العاطفي له الكثير من الدلالات والمؤشرات، والتي منها تجنب المشاكل ومحاولة الهروب من المواجهة، فكل طرف من الزوجين - حتى وإن كان على حق - نلاحظ منه محاولة الهروب لكي لا تحدث أي لحظة خلاف أو مشكلة، ولا يستطيع المواجهة والتحدث والنقاش لوضع حلول ولذا فهو يعيش حالة من الانفصال العاطفي؛ لأنه سأم العلاقة ودخل في مرحلة عجز بسبب الضغوط التي كان يعيشها ولا يجد لها الحل المناسب، وقد يكون الطرف الآخر قد ساعد في ذلك بسلبيّته في مواجهة المشاكل الزوجية وتنتهي مرحلة الزعل والعناد دون وضع أي قرار أو حل، فتتراكم من حولهما وتستفحل الخلافات وأسبابها مما يؤدي إلى اتخاذ قرار الهروب والانعزال.

والغضب ومشاعر الاستياء بشكل مستمر من البعض، فلا يهرب من المشاكل مع كثرتها وتزايدها بل تصيبه حالة من الهيجان لأي موقف ولو كان بسيطا فنراه يعيش في توتر وقلق، محاولا تنفيس ما يشعر به عن طريق الغضب وافتعال المشاكل والاصطدام المتكرر مع الطرف الآخر، معبرا عن عدم الرضا عن حياته بهذا الأسلوب وهو لا يعلم بأن هذا الأمر يسوء العلاقة أكثر من ذي قبل وينحدر بها نحو الهاوية.

واللامبالاة المؤدية للإحباط والوحدة العاطفية خطر محدق ونتيجة لهذا الوضع المتأزم بينهما، فيعيش كل فرد بعيدا عن الآخر بكل مشاعره دون الاهتمام بالشريك مهما كان يمر به من ظروف سعيدة أو مؤلمة، فنراه لا يكترث لمشاعر الطرف الآخر سواء حقق نجاحا أو كان يعيش نكسة في حياته وفشل، فهو لا يشعر به مما يؤدي إلى إحباط الطرف الآخر وشعوره بأنه مهمل، فيبتعد تدريجيا إلى أن يصل إلى مرحلة الطلاق العاطفي والوجداني.

وهذه بعض دلالات الانفصال العاطفي التي تعيشها بعض البيوت وإن كانت تسترها الجدران، لذا لا بد لنا من اتخاذ بعض الأمور وتطبيقها على أرض الواقع في حياتنا وليس فقط التنظير لها بكلمات دون التنفيذ ومنها عدم السعي وراء تغيير الطرف الآخر، فمن الخطأ بعد الارتباط محاولة تغيير الشريك وجعله نموذجا طبق الأصل منا، متناسين بأن كل فرد أتى من بيئة وأسرة مختلفة عن الآخر ولها عاداتها وتقاليدها وتربيتها الخاصة، فنرى الأزواج لديهم تصميم قوي على تغيير بعضهما وجعله نسخة منه والطرف الآخر لا يتقبل هذا السلوك ويحدث الاصطدام الدائم بينهما، فبدل السعي في تغيير الشريك لماذا لا نحاول تغيير نظرتنا للأمور وتقديم الأولويات بيننا بما يخدم حياتنا والبحث عن حل للمشاكل قبل تفاقمها؟

نحاول تعديل الأولويات ونجعلها مشتركة بيننا دون أن تفرقنا، وإذا كانت الاهتمامات مختلفة فهذا لا يفسد الود والعلاقة بل نوجد أرضية مشتركة تخدم أهدافنا وتزيد من التوافق بيننا.

والبعد عن تراشق الاتهامات وإثبات التقصير لأحدهما، فعندما تحدث مشكلة فلا نلجأ إلى اللوم واتهام الطرف الآخر بأنه هو المسبب الوحيد للمشكلة أو نعته بالتقصير مما قد يؤدي إلى حدوث المشاكل فلا بد أن نؤمن بأن الحياة لا تخلو من مشاكل ومنغصات، والحياة الزوجية لا تنمو بشكل صحيح دون الخلافات التي نسعى لحلها بشكل سليم والاستفادة منها مستقبلا.

فالتركيز على اللوم الدائم أو الاتهامات يزيد من حدة المشكلة بما يؤدي للتوتر والعناد بين الزوجين، فبدلا من الاتهام ورمي اللوم على الآخر فلنقف بعقلانية ونبحث عن حل للمشكلة بهدوء، فهذا كفيل بخلق روح التعاون بين الزوجين والقدرة على اجتياز ممر الصراع والمشاكل.

وعدم التسرع في ردة الفعل حتى وإن صدر موقف مؤلم من الطرف الآخر كانتقاد لاذع أو اتهام في غير محله، بل علينا أن نعطي أنفسنا فرصة للتفكير في طريقة الرد المناسبة ونطبق هذه الفكرة ونتصور وقعها علينا كيف يكون إحساسنا، فإن كان مقبولا وحسنا وغير مؤذٍ نعمل به مع الطرف الآخر، أما لو كان يسبب أذية وتفاقما للمشكلة نبتعد عنه فهذا من شأنه إصلاح كثير من المشاكل، بعكس ردة الفعل المشابهة للفعل أو الموقف الذي صدر من الشريك تزيد الأمور تعقيدا.

والاهتمام باحتياجات الشريك تبني علاقة راسخة وناجحة، فعندما يتعرف الشريك على احتياجات شريكه ويركز عليها ويحاول تلبيتها بما يخدم علاقتهما وتطويرها نحو الأفضل، فإنه يخلق جوا من المحبة والألفة والبعد عن الأنانية وحب الذات؛ لأن كل طرف يحاول إسعاد الآخر عن طريق الاهتمام بتلبية حاجياته بالشكل المناسب والمطلوب بدون أنانية.

وفي الختام إن أردنا حياة سعيدة وعلاقة قوية يسودها الحب والمودة لا بد من الابتعاد عن حب الذات ومحاولة إثبات القوة والقدرة لطرف دون الآخر، ولنعلم بأن الطلاق العاطفي لا يأتي بين يوم وليلة بل هو تراكمات للمشاكل والانتقادات اللاذعة من أحد الطرفين أو كليهما وعدم المبالاة بالآخر، مما يجبر الطرف الآخر على الانزواء والبعد التدريجي وحدوث فجوة عاطفية بينهما.